جاء إصدار التَّقويم البحريني للعام الهجري الجديد 1443هـ ليؤكِّد استمرارية رعاية حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه للمشروعات الإسلامية والمناسبات الدينية المختلفة، وتوجيه جلالته الدائم لحفظ وحماية ونشر تراث مملكة البحرين العلمي الرصين الذي يمتد بجذوره إلى أعماق التاريخ، واحتضان رُوَّاده من العلماء الأوائل، وبما يكفل استفادة أهل البحرين منه في شتى المواقع والأمكنة.
ويأتي هذا الإنجاز تنفيذًا للتوجيه الملكي السامي من لدّن حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، بإصدار التقويم البحريني للعام الهجري 1443هـ وِفْقًا للمعايير الشرعية والعلمية والفلكية، وامتدادًا لمنهجية "روزنامة الزبارة والبحرين" التي وُضعت أصولها إبان تأسيس العاصمة الأولى للدولة الخليفية في الزبارة، والتي امتدت بتراثها الديني العريق وظلالها العلمية الوارفة حتى هذا اليوم لتشمل كل مناحي الحياة والحضارة في العصر الحديث للمملكة.
ويكتسب التقويم البحريني الجديد للعام الهجري 1443 أهميته من أكثر من اعتبار، فإضافة إلى دقّته ومراعاته للتطورات الحسابية والعلمية الراهنة والمعايير الشرعية والفلكية، فإنه يُعبّر أيضًا عن تراث علمي أصيل وضعه علماء البحرين الأوائل لتحديد الأوقات الشرعية للصلوات والمناسبات الدينية وغيرها.
ويمتاز التقويم الجديد بأنه يُمثّل امتدادًا للمنهجية التي بنى عليها العلاَّمة عبد الرحمن بن أحمد الزواوي في "روزنامة الزبارة والبحرين"، ما يعكس الإرث الخالد لعلماء البحرين الواجب الحفاظ عليه وحمايته ورعايته مثلما يُوجّه بذلك دومًا حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، الذي يولى عناية خاصة بالتقويم الهجري واهتمامًا كبيرًا بالمناسبات الدينية المختلفة.
وسوف يضمن التقويم الجديد شمولية المحيط الجغرافي للمملكة، وتوحيد رؤى أهل البحرين في شتى المواقع ليس فقط بشأن الصلوات الخمس وحسابات الشهور القمرية، بل يشمل ذلك مواعيد الفصول المناخية وهبوب الرياح ومواسم الأمطار، وهي المقوم الرئيسي لجانب كبير من حياة مواطني البحرين الكرام الذين اشتهروا بالصيد والبحر والزراعة.
وينظر مراقبون للتقويم البحريني الجديد بأنه يعيد إلى المسار الصحيح كل الأعمال التي تخص المجالات الفقهية والشرعية، كما أنه يُقرّب وجهات النظر والآراء المتعلقة بها في إطار رؤية البحرين الوسطية ومنهجيتها حول التسامح والتعايش، ويُعزّز من خطابها الذي يدعو للتعارف وينبذ الفرقة، فضلاً عن أنه يؤكد على حرية البحث العلمي واعتماد الأصول الحسابية التي توافق عليها جُل العلماء.
ولقد كان التراث العلمي والديني والحضاري للبحرين أساسًا مرجعيًّا لإصدار التقويم الجديد، فالبحرين تتمتع كما لا يخفى على أحد بإرثٍ عريقٍ في الكثير من مجالات البحث والمعرفة والعلوم منحها الريادة والسبق بفضل التكوين المعرفي والتراكم البحثي، وهو ما مهَّد السبيل لظهور علماء أفذاذ متنوعي المعارف، ولا أدل على ذلك من أولئك الرواد من أبناء هذه الأرض الذين برعوا وسطع نجمهم في مجالات الأدب والشعر والإعلام والتاريخ والأنساب والفلك، فضلاً عن الفقه والشريعة، فكانوا بناة نهضة البحرين الفكرية والثقافية التي بدأت قبل قرون من الزمن، والتي أسهمت بشكلٍ كبير في الارتقاء بمختلف مناحي الحياة، فعُرفت البحرين منذ ذاك الحين بالاحتفاء بالعلم والعلماء، والاطلاع على المعارف والعلوم، والانفتاح على الحضارات والثقافات، لاسيَّما في الخليج العربي ودول المنطقة، وكذلك الاعتناء والاهتمام بإنشاء المكتبات وإصداراتها والمجلات والأندية الأدبية، وبخاصة في الشعر، وتأسيس المدارس واستقدام المطابع وغيرها.
فمن وحي ذلك كله، جاء التقويم البحريني الجديد وفيًّا لبيئته وامتدادها التاريخي، فحظي بترحيبٍ واسعٍ لدى الأوساط المحلية، ورأوا فيه مصدرًا للفخر والاعتزاز بمسيرة الوفاء بين الأجيال المتعاقبة من العلماء والباحثين، وما قدّمته من إرث كبير.
وعبَّرت عن هذا المعنى الكثير من الفعاليات، مبديةً اعتزازها بالتزام هذا التقويم بالمعايير الشرعية ومواكبته للتطورات العلمية والفلكية بالإضافة إلى اتصاله بالتراث البحريني الأصيل.
فلا شك أن إصدار هذا التقويم يعد برهانًا على مواصلة الدعم والرعاية الملكية السامية المُستمرّة للمشروعات الإسلامية، وتقديرًا ملكيًّا كريمًا لدور العلم والعلماء في المسيرة الوطنية في البناء والتطوير والتحديث عبر الأجيال بما يجعلها مصدرًا للفخر والإلهام.
يُذكر أن التقويم البحريني الجديد متاح عبر التطبيق الإلكتروني "إسلاميات" لضمان انتشاره والاستفادة منه عبر المنصات الرقمية الحديثة، كما أنه سيضمن توحيد رؤى أهل البحرين كافة، ويمنع أي التباسات أو غموض أو اختلافات بشأن بدايات الشهور ومواقيت الصلوات.