المركز الإعلامي


رأي المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

بشأن حكم العبادات الجماعية في زمن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)




بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فقد نظر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بجلسته الاعتيادية الثالثة المنعقدة بتاريخ 15 رجب 1441هـ الموافق 10 مارس 2020م في موضوع حكم العبادات الجماعية في زمن انتشار فيروس كرونا (كوفيد 19)، وبعد المناقشة والبحث يرى المجلس:

جعلت الشريعة الإســلامية صلاة الجمعة والجماعة شعيرة من شعـائر الإسلام، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: من الآية 9]، وأولت المساجد أهمية كبيرة، ورتبت الأجر العظيم على أداء العبادات فيها، قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} [التوبة: من الآية 18]، كذلك فإن الشريعة الإسلامية قد رفعت الحرج عن ترك بعض الواجبات في حالات الضرورة، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: من الآية 78]، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: من الآية 185]، وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: من الآية 16] وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا) [صحيح البخاري].
وخشية من زيادة انتشار فيروس كوفيد 19 (كورونا) الأمر الذي يستدعي العمل بالرخص الشرعية المتعلقة بأداء العبادات الجماعية في المساجد كالصلاة والاعتكاف ومثلها المناسبات الدينية في المآتم والصالات وغيرها، ودفعًا للضرر عن الناس وصحتهم، ونظرًا لما تقتضيه الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها مملكة البحرين للوقاية من هذا الفيروس والقضاء عليه، 
فينبغي التفريق في الحكم بين حالة التعامل الصحي مع الفيروس على أنه مرض معدٍ لم يصل حد الوباء، وبين حالة التعامل معه على أنه وباء.
وقد عرفت المادة (1) من قانون رقم (34) لسنة 2018 بإصدار قانون الصحة العامة الوباءَ بأنه: ((انتشار حالات من مرض ما في مجتمع أو إقليم معين خلال فترة محدودة بزيادة واضحة عن المتوقع عادة)).

الحالة الأولى: التعامل مع الفيروس على أنه مرضٌ معدٍ لم يصل حد الوباء 


وضمن هذه الحالة العامة لابد من التفريق في الحكم بين ثلاث حالات: 


أولًا- الشخص المصاب بالمرض.
يحرم شرعًا على كل من أصيب بهذا المرض أو يشتبه طبيًا بإصابته به الحضور إلى المساجد والمآتم لأداء صلاة الجماعة أو الجمعة أو العيدين أو غيرها من الأنشطة الدينية، أو الذهاب إلى المحافل والأماكن العامة، ويجب عليه شرعًا الأخذ بجميع الاحتياطات اللازمة: بدخول الحجر الصحي، والتزامه بالعلاج الذي تقرره الجهات الصحية في المملكة حتى يتماثل للشفاء، وذلك كي لا يتسبب في نقل المرض إلى غيره.
والدليل على ذلك:
• عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب:58].
• قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لَا يُوردُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) [البخاري ومسلم].
• قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فرَّ من المجذومِ فرارك من الأسد) [البخاري].
• قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) [ابن ماجه].
• إن أذى المرض المعدي أشد من أذى الرائحة الكريهة التي نُهِي صاحبها عن قربان المسجد؛ دفعًا للأذى عن الناس، لما ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أكل بصلًا أو ثومًا أو كراثًا فلا يقربن مسجدنا) وفي رواية (المساجد، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم).

ثانيًا- الشخص غير المصاب بالمرض.
من وجبت عليه الصلاة في المسجد وجوبًا عينيًا: إما أن يغلب على ظنه الإصابة بالعدوى إن صلاها في المسجد، أو لا يغلب على ظنه ذلك.
1. فمن غلب على ظنه الإصابة بالعدوى، فيرخص له الصلاة في بيته، وله أجر صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى.
وقد اتفق الفقهاء على أن من الأعذار الخاصة التي تبيح التخلف عن صلاة الجمعة والجماعة خوف المسلم على نفسه عدوًا أو لصًا أو سبُعًا أو دابةً أو سيلًا أو نحو ذلك مما يؤذيه في بدنه. [الموسوعة الفقهية الكويتية: ج27: ص187-189].
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
• قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: من الآية 71].
• قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ: خَوْفٌ، أَوْ مَرَضٌ) [أبو داود والحاكم والدارقطني].
2. وأما من لم يغلب على ظنه ذلك بأن شكَّ أو توهم الإصابة بالعدوى، فيجب عليه السعي لصلاة الفرض العيني في المسجد؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: من الآية 9]، فالتكليفُ بالفرض يقينٌ، واليقين لا يزول بالشك، وعليه أن يحتاط بترك المصافحة والمعانقة واتباع التعليمات الصحية الأخرى.

ثالثًا- المؤذن والإمام والخطيب.
يجب على هؤلاء جميعًا الحضور إلى المسجد لإقامة الشعائر وتأدية وظائفهم الدينية من رفع الأذان والإمامة والخطابة في الحاضرين.

الحالة الثانية: التعامل مع الفيروس على أنه وباء 


إذا انتشر الفيروس بين جماعات كثيرة من الناس - لا قدَّر الله تعالى-، وبلغ الفيروس حدَّ الوباء، وأن التجمعات البشرية سبب أكيد للعدوى به، فيجوز منعُ الجُمع والجماعات وسائر التَّجمعات، وعلى الناس أن يلتزموا بالصلاة في بيوتهم حتى يزول البلاء. 

ويستدل على ذلك بما يأتي:

• قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: من الآية 59].

• قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: من الآية 29].

• قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: من الآية 195].

• قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) [البخاري].

• عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر، فقال في آخر ندائه: ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في الرحال، ثم قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يأمر المؤذن، إذا كانت ليلة باردة، أو ذات مطر في السفر، أن يقول: ألا صلوا في رحالكم).

فلما رخصَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصلاة في البيوت بسبب أذى البرد والريح والمطر، وأذى الوباء أشد وأظهر.

• القاعدة الفقهية التي يذكرها الفقهاء في باب صلاة الاستسقاء وهي (أن أمر الحاكم يُصَيِّر الجائزات واجبة).

مع التأكيد على رفع شعيرة الأذان في أوقاتها المعتادة وعدم توقفها، ويستبدل المؤذن بــجملتي (حي على الصلاة) و(حي على الفلاح) قوله (الصلاة في رحالكم) أو (الصلاة في بيوتكم) أو (الصلاة في أماكنكم)، أو أن يقولها بعد الأذان؛ إعلامًا للناس بدخول وقت الصلاة ودعوتهم للصلاة في أماكنهم وعدم الحضور إلى المسجد.


ونسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين، وأن يرزقنا الأمن والأمان والاطمئنان، وأن يشفي المرضى ويعافيهم، وأن يصرف عنا السوء والأسقام. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.